الأحد، 14 يونيو 2015

أمي لا تخافي ، الله معي


#تخيلات

 - 2 -

استقبلتُ رقّتها وأحضانهـا الصغيرة بابتسامة كلّهـا حياة ، هممت برفع حقيبة ظهرهـا عندما فاجأتني بقولها " أنا أصبحتُ قويةً يا أمي ، سأضعها بمفردي" . لم أنبس ببنت شفـه ، راقبتهـا وهي تتجه إلى أريكة غرفة الجلوس وتقف على أطراف أصابع قدميها لتضع حقيبتهـا من على ظهرهـا إلى الكنب . نَظَرَتْ إليّ بفخر وعيناها تعلن انتصارها وكأنها تقول " أرأيتِ ؟" . لم أفهمْ ما الذي يدور في ذهنـها ولكنني بقيتُ أنظر لها مبتسمـةً .قالت بفرحٍ غامر " سأخلع حذائي بنفسي أيضاً" ، بقيتُ ساكنة صامته أشاهد أفعالهـا وفرحتها التي لم تكن بهذا الحجم عندما أوصلتـها إلى الروضة صباح اليوم.


سألتُهـا بفضولٍ " ما الذي حدث مع الأميرة الجميلة اليوم ؟ " قالت بسرعة وكأنها تودّ اختصار كل الأحداث " ليس الكثير ..." ثم اتسعت حدقت عينها وهي تكمل بشهيّة كبيرة " ولكن أمي أنا أصبحت قوية اليوم ... أقصد منذ اليوم " . " وكيف حدث ذلك !" أجابت بنفس الشهية " تقول المعلمة أن المؤمن قوي دائماً لأن الله معه " . كبُرت ابتسامتـي وعلامات التعجب في رأسي ، قلت لها متسائلة " وهل تعرفين من هم المؤمنون ؟ " رفعت حاجبيها وحرّكت رأسها بإيجاب ، ثم وكأنها أدركت شيئاً آخر فأمسكت بيدي تداعبهما وتقول " أنا لا أعرف الكثير عنهم أمي ، ولكن أعلم أنني منهم . ألستُ كذلك ؟" . لا أعلم ما حقيقة المشاعر التي انتابتني عند سماع هذا الحديث ولكنني أسرعت بالإجابة " بلى ، منهم "  =) .



كلام مُعلمتهـا كان ناقوساً لا يصمت ، يتردد على دماغها منذ لحظة عودتها من الروضـة وحتى المساء . جعلهـا تصطنع قُوى أعلم جيداً بأنهـا ما زالت لا تملك أياً منها . ردَّدَتْ على مسمعي طوال اليوم أزواجاً من العبارات والاقتراحات والتساؤلات والأمثلة ، كلّهـا تدور حول مدى قوتهـا ومدى عناية الله بهـا . " أمـي ، أنا لن أشعر بالخوف عندما تقلع الطائرة في رحلتنا القادمة " ، "أمي ، ما من داعِ لمعاتبة أبي عندما يُضاعف سرعة السيارة فالله معنا أليس كذلك ؟" ، " أمّي ، هل أنام لوحدي في غرفتي اليوم ؟ أنا لم أعد أخشى الظلام" ، "أمـي ، لنجرب تلك اللعبة المخيفة في الملاهي في المرة القادمة ، أعدك أننـي لن أبكي عندما تزداد سرعتها " ، "أمـي سأمتطي جواداً لوحدي عند زيارتنا لمزرعة خالتك في المرة القادمة " .


واصَلَتْ سكب عباب عباراتهـا وتساؤلاتهـا بيْد أننـي لم أُعِدّ بعد أي تفسيرات أو إجابات ، كنت أنبس بالكلام ؛ فلم أكن على استعداد لشيء يشبه ما يحصل اليوم مع صغيرتـي . لا أعلم ما إذا كانت محض ردة فعل لمعلومة اليوم ! أم أنهـا أمست تشعر بأننـا يمكن أن نفعل كل شي دون أن نخشى على أنفسنا !! كيف أحدّثها عن موضوع متشعّب كهذا !! كيف أخبرهـا بأن ليس كل ما يدور في رأسها جزء مما قالته المعلمة  !!  شعرت بالقليل من القلق عليها يتسرّب إلى داخلـي ، كما شعرت بأنني بحاجة للقليل من الوقت مع نفسي قبل إعادة الحديث معها في ذات الموضوع .


في المساء تأهبنا سوياً للنوم ، اصطحبتُها إلى غرفتِهـا التي لم تمضي فيها ليلة كاملة حتى اليوم . قبّلتُ وجنتهـا ، أطفأتُ الأضواء وهممْتُ بالخروج على أمل أن تبدأ ابنتي مرحلـة لا تخشى فيها النوم وحيدةً ، بيد أننـي لم ألبث أنْ أُغلق الباب عندما نادت عليّ "أمي...." نظرتُ إليها فقالتْ بترددٍ " هلْ أنام معكِ ؟" ، سألتها " أليس الله معك ؟" أمسكتْ بمخدتها الزهرية و دميتها المخملية وقالت وهي تتجه نحوي " بلى ، ولكن سأشعر بأمان أكبر عندما تكوني أنتِ والله معي " .

انتهــــى


14.06.2015
#هدى_سيف














مريض السرطان

 #تخيلات
 - 1 -


في صباح هذا اليوم الكئيب ، كنت مجبرة – لأول مرة - أن أبث لأحد مرضاي خبر إصابتـه بالسرطان . استلمت أوراق نتائج فحوصاته على مرأى منه ، بدأت بتمعنـها دون أن يخطر على بالـي أنني سأكون في تلك الهيئة التي كنت عليهـا في غضون لحظات من البدء بقراءة الفحوصات . شعرت بأن ملامحـي أشعلت في داخله الذعر قبل أن أخبره بمضمون هذه الوريقات الثقيلة . اضمحلال ملامحـي ، ألوان وجهـي ، اتساع عيني ، كلّهـا امتصت باقي ذرات الصبر التي كان يتمسك بها مريضي ليطرح سؤاله عليّ " ما الأمر ؟ أخفتني يا "دكتورة " !! " كنت أعلم حينهـا أنْ لا منجى من إخباره ، لكننـي كنت أبحث عن طريق ، عن وسيلة تسعفنـي لأمتلك هذه الشجاعـة . في الوقت ذاته كانت أفكاري تختلط مع الخوف من زرع هلع أكبر فيه إن تشبثت بصمتـي لأكثر من ذلك . ماذا أقول لك يا ياسر !! حتى وإن كانت الآمال لا تنعدم لاستئصال هذه الأمراض إلا أن اسمه لوحده مخيف ! ولربمـا سيبدو أكثر وحشية لشابّ في عمرك !
كان لساني يتعثّر ، كنت أحاول تكوين جمل مفيدة وأسال نفسي أمن المفروض أن أبتسم كما اعتدت أن أفعل عند الحديث مع مرضاي ! قطعت كل الخيوط التي تشبك أفكاري ببعضهـا ، قررت أن أنسى كل شيء وابدأ الحديث واترك لله أمر مساعدتـي .
بدأت بإخبار ياسـر أن من المجحف في حق مشاعره أن أطمئنـه بهذه البساطة ، ولكن علاج المرض الذي يشكو منه ليس بمستحيل . أخبرتـه أننـا سنبدأ بعلاجه منذ اللحظة ، وأننـا لن نيأس ، ونعلم أنه لن يفعل أيضاً . أخبرتـه أنها أزمـة ، جاءت لترحل بإذن الله ، سنتخطاها سوياً بهدوء ، بصبر ، بآمال لن تنضب .


ياسر كان يتنفس بإيقاع غير منتظم ، كان ينظر في عينيّ بعمق ، لا أعلم ما الذي كان يفكر فيه ، ولكنه سألنـي " هل أنا مصاب بالسرطان ؟ " .!!!! ورغم المقدمة الطللية التي ألقيتهـا ، ورغم الشجاعـة التي شعرت أنها بدأت تتملكنـي ، إلا أن كلمة " نعم " لم تجد مخرجاً لها من حنجرتـي  ، اختنقَتْ بهـا مشاعري وأفكاري . كنت أحرك عدسة عيني بعشوائية ، أشعر بوخز في رأسي ، أطرافـي باردة ، بل كلّي بارد  .

للحظة شعرت بشيء ما يبدد كل المشاعر والأفكار ؛ لأقول فجأة لياسر " هيا يا ياسر دعْنـا نبدأ  " وقفت وألقيت على ناظريه ابتسامة هشّة ، تبعتني خطواتـه التي شعرت بأنها أقل ثقلاً من خطواتـي ، أراحتني تمتمته بـ  "الحمد لله " .


انتهــــى

06.06.2015 
#هدى_سيف