كنت أجر خطواتي
إلى غرفتـه بعد أن نُوْدِيَ باسمي ، أمي ممسكة بـِيَدِي .
تمتماتي
التذمرية ، شفآهي الملتوية جانبا ، نظرات عينيَّ ، وزفرات الضجر ، كلها كانت تذيع
للجميع أن الوضع لآ يروقني . أخذت أقرأ ما كتب على باب غرفته بكل ملل ، إذ إنني
تعلمت القراءة مؤخراً (غرفة الطبيب رقم 1) . وكأنها استفزتنـي لألتفت إلى والدتي وأقول بصوتٍ متعَب
" ما أحبهـم " أعدتهـا بشكل متقطع وكأنني أخرجها من صميمي "
مآآآ أأ
حبـــ هـــم " . كعادتهـا
أمي تبتسم وتمسح على شعري بلطف .
جلسْتُ على طرف ذلك
الكرسي الأزرق دون أن أتفوه بكلمة . وحتى لقائي القصير مع ذلك الطبيب الأخرق لم
يتخلله أي كلمات سوى من طرف أمي الحنون ، تصف له حالتـي المرضية . خَتَمَتْ أمي
الجلسة بكلمة شكر وحان وقت الخروج المُنْتـَظَــر .
بدأت كعآدتي
بالثرثرة التي لا تنتهي عن الطبيب " شفتيه ماما ؟؟ حتى ما يضحـك !! هذا طبيب
؟؟! هذا يزيد المرض >< .. مثلهم كلهم ..... نزين أنا صغيرة ليش ما يسولف
عندي ؟! كئيييييييب .. الله يعافينـا " .... وإلى آخره من الثرثرات التي
اعتادت أمي عليها مع كل زيارة للطبيب . ضَحَكَتْ أمي ضحكة أنثوية خفيفة ، ثم التفتت
إلي وقالت " كوني طبيبة وصيري أحسن منهم" .
كنت مصدومـة ،
مذهولة o_o. " أنـــا أصبح طبيبة
!!!!!" حدّثتُ نفسي .
مازلت إلى اليوم
أذكر كيف تضارَبَتْ نبضاتُ قلبي وبما شعرت حينها !. أنا لا أطيق النَّظَر إلى
وجوههم العابسة ، ونظراتهم الجادة ، كيف أصبح واحدة منهم !! كيف أصبح طبيبة !؟ . أكملـنا
طريقنـا إلى صيدلية المستشفى وما زلت متأثرة بعبارة والدتي .
كنت حينهـا
الطفلة صاحبة الخيــال الواسع ، وصاحبة الأفكار والعبارات التي تصفهـا أمي بأنها
أكبر مني سنّـاً . بدأ عقلي يحلّل عبارة أمي التي باتت تقلقنـي . كانت مجرد كلمة
لربما لم تقصدهـا ، ولا أدري ما المقلق حيالها . سألت نفسي للحظة " إذا كنت
لا أود أن أصبح طبيبة ، فما الوظيفة التي أتمناها ؟! " .
كنت يومهـا مشغوفة
باللغة الإنجليزية التي كانت معرفتي بها
ضحلة جداً . الأمر الذي سلط الأضواء في عقلي على وظيفة (معلم لغة إنجليزية). إلا
أن تفكيري كان أعمق من ذلك . فالطبيب لغته الإنجليزية ممتازة بالإضافة إلى إنها
متخصصة . لا عذر لي !! أردت أن أنصب أفكاري على
الواقع أمام والِـدَيَّ حتى أواجه نفسي ورغبـاتي قبل أن ينهكني التفكير
الذي أجهل حقيقة مصدره .
أذكر أن إحدى الليالي الشتوية كانت شاهدة
على اعترافي أنني بالفعل أود أن أصبح طبيبة ، ،، وقد كنت أروي حكاية حياتي التي
أجهلها لجدي ووالدتي وكيف أنني سأصبح طبيبة عظيمة كما أحب أن يكون الأطباء في
مخيلتي ، وقد كان عمري حينها 9 سنوات ، لم أكن راضية عمّا أقول ، إلا أنني استرسلت
في الكلام لا شعورياً . أخبرتـهم أن
الطبيب الممتاز هو ليس خريج كلية الطب ، بل هو ذلك الشخص البسّام الذي يشعركـ بأنك
صديقه وليس مريضه ، ويكسب احترامك وحبك لشخصيته ووظيفته الإنسانية ، وينجح في جعلك
تتعامل معه بكل شفافية وأريحيه . علّ الطبيب المثالي في مكان ما في الوجود ولكنني لم
أحظى بشرف لقائه ، لذا أود أن أكون ذلك
الطبيب الذي لم أجده ، الطبيب الذي أتمنى أن أقابله !
خططته / الثاني والعشرين من إبريل لعام
2014