الثلاثاء، 22 أبريل 2014

غرفة الطبيب رقم1


كنت أجر خطواتي إلى غرفتـه بعد أن نُوْدِيَ باسمي ، أمي ممسكة بـِيَدِي .
تمتماتي التذمرية ، شفآهي الملتوية جانبا ، نظرات عينيَّ ، وزفرات الضجر ، كلها كانت تذيع للجميع أن الوضع لآ يروقني . أخذت أقرأ ما كتب على باب غرفته بكل ملل ، إذ إنني تعلمت القراءة مؤخراً (غرفة الطبيب رقم 1) . وكأنها  استفزتنـي لألتفت إلى والدتي وأقول بصوتٍ متعَب " ما أحبهـم " أعدتهـا بشكل متقطع وكأنني أخرجها من صميمي " مآآآ   أأ  حبـــ   هـــم " . كعادتهـا أمي تبتسم وتمسح على شعري بلطف .


جلسْتُ على طرف ذلك الكرسي الأزرق دون أن أتفوه بكلمة . وحتى لقائي القصير مع ذلك الطبيب الأخرق لم يتخلله أي كلمات سوى من طرف أمي الحنون ، تصف له حالتـي المرضية . خَتَمَتْ أمي الجلسة بكلمة شكر وحان وقت الخروج المُنْتـَظَــر .


بدأت كعآدتي بالثرثرة التي لا تنتهي عن الطبيب " شفتيه ماما ؟؟ حتى ما يضحـك !! هذا طبيب ؟؟! هذا يزيد المرض >< .. مثلهم كلهم ..... نزين أنا صغيرة ليش ما يسولف عندي ؟! كئيييييييب .. الله يعافينـا " .... وإلى آخره من الثرثرات التي اعتادت أمي عليها مع كل زيارة للطبيب . ضَحَكَتْ أمي ضحكة أنثوية خفيفة ، ثم التفتت إلي وقالت " كوني طبيبة وصيري أحسن منهم" .

كنت مصدومـة ، مذهولة  o_o. " أنـــا أصبح طبيبة !!!!!" حدّثتُ نفسي .

مازلت إلى اليوم أذكر كيف تضارَبَتْ نبضاتُ قلبي وبما شعرت حينها !. أنا لا أطيق النَّظَر إلى وجوههم العابسة ، ونظراتهم الجادة ، كيف أصبح واحدة منهم !! كيف أصبح طبيبة !؟ . أكملـنا طريقنـا إلى صيدلية المستشفى وما زلت متأثرة بعبارة والدتي .


كنت حينهـا الطفلة صاحبة الخيــال الواسع ، وصاحبة الأفكار والعبارات التي تصفهـا أمي بأنها أكبر مني سنّـاً . بدأ عقلي يحلّل عبارة أمي التي باتت تقلقنـي . كانت مجرد كلمة لربما لم تقصدهـا ، ولا أدري ما المقلق حيالها . سألت نفسي للحظة " إذا كنت لا أود أن أصبح طبيبة ، فما الوظيفة التي أتمناها ؟! " .


كنت يومهـا مشغوفة باللغة الإنجليزية التي  كانت معرفتي بها ضحلة جداً . الأمر الذي سلط الأضواء في عقلي على وظيفة (معلم لغة إنجليزية). إلا أن تفكيري كان أعمق من ذلك . فالطبيب لغته الإنجليزية ممتازة بالإضافة إلى إنها متخصصة . لا عذر لي !! أردت أن أنصب أفكاري على  الواقع أمام والِـدَيَّ حتى أواجه نفسي ورغبـاتي قبل أن ينهكني التفكير الذي أجهل حقيقة مصدره .


أذكر أن إحدى الليالي الشتوية كانت شاهدة على اعترافي أنني بالفعل أود أن أصبح طبيبة ، ،، وقد كنت أروي حكاية حياتي التي أجهلها لجدي ووالدتي وكيف أنني سأصبح طبيبة عظيمة كما أحب أن يكون الأطباء في مخيلتي ، وقد كان عمري حينها 9 سنوات ، لم أكن راضية عمّا أقول ، إلا أنني استرسلت في الكلام لا شعورياً .  أخبرتـهم أن الطبيب الممتاز هو ليس خريج كلية الطب ، بل هو ذلك الشخص البسّام الذي يشعركـ بأنك صديقه وليس مريضه ، ويكسب احترامك وحبك لشخصيته ووظيفته الإنسانية ، وينجح في جعلك تتعامل معه بكل شفافية وأريحيه . علّ الطبيب المثالي في مكان ما في الوجود ولكنني لم أحظى بشرف لقائه  ، لذا أود أن أكون ذلك الطبيب الذي لم أجده ، الطبيب الذي أتمنى أن أقابله !

خططته / الثاني والعشرين من إبريل لعام 2014


هناك 26 تعليقًا:

  1. ذكرتيني بأيام عملية البلاعيم ولما كنتي منكسره ماأحبكم انتوا مازينين بخبر عليكم عمي بدر ( برأة طفلة )
    آه أيام يالحلوه

    ردحذف
    الردود
    1. هههه أيـــوا أمي .. والله أتذكــر زين .. خاطري ألتقي بالأطباء المساكين اللي قصفتهم دعاوي =)

      حذف
  2. جميل هذا الهدف هدى..
    حقيقة لم تحدث لي قصة مع غرفة الطبيب ولكني أود أن أصبح حقا الطبيب الذي يعتبرك صديقه وليس مريضه..
    تمنياتي لك بتحقيق كل آمالك..

    ردحذف
    الردود
    1. شكــراً جزيلا لكـ
      أودّ أن أجد ذلك الطبيب أيضاً .. !

      كل التوفيق لكـ =)

      حذف
  3. رائعه الى الامام ♡ حبيتها جدا ..
    Amani Zayid

    ردحذف
    الردود
    1. شكرا لك أماني ..
      عقبال ما تخلينا نقرأ مذكرتك السرية ^^

      حذف
  4. رائعة هدى ، جعلنا الله من هؤلاء القلة ان شاء الله ..
    نصبت هدفا أمام عيني كدت أن أتغافله ...
    على الطبيب المتخرج حديثا أن يقرأ عن مرض الإكتئاب ، أسبابه وأعراضه جيدا قبل أن يشرع في علاج مرضاه،لأن الصحة النفسية تعالج 90%من الأمراض الجسدية..
    واصلي وفقك الله :)
    Sheikha Al-Wahshi

    ردحذف
    الردود
    1. هذا تماما ما أقوله
      ليس كل طبيب يستحق هذه الوظيفة الإنسانية الراقية !
      الموضوع أكثر من مجرد خبره في التعامل مع الجسد .

      أتمنى لك مشوار ممتع مع كلية الطب عزيزتي ..
      أسعدتني مشاركتك 💗💜

      حذف
  5. جميييييل هداو ربي يوفقك ويسعدك وتصيري من كبار الاطباء ونفرح بك ويفرحبك اهلك يااارب
    اختك هبه اليحيائي

    ردحذف
    الردود
    1. هبه ..
      فخر وسعادة أن أعز وأهم أصدقائي يتواجد في مدونتي
      شكراً لك يا غآلــية ..

      حذف
  6. راآااآئعة جدا .. طلعي من الطب دخلي كاتبة هع
    حبييتها بكل ماتحملها من معاني انسانية وطفولة رائعة وحبيتك انتي بالدرجة الأولى هع
    وفقگ الله وأسعدگ هدوني =)
    حطي بدل حرف الدال زاي في مدونة وبتعرفيني خخخ

    ردحذف
    الردود
    1. أصلا أعرفك من كلمة ( هدوني ) بدون ما تخبريني من أنتِ ..

      يآآآآ غآليــة تسلمــي .. أنت الأروع .. العقبال عندك يا رب تنوري كلية الطب ،، بقي القليل وإن شاء الله نفرح بك

      حذف
  7. جميل..عندما نعلن عن شهقات الطفوله التي قد تكون أرعبتنا من هذه اﻷحلام التي نعيشها اليوم

    😊

    ردحذف
    الردود
    1. بالفعل فاطمة ..
      والأجمل من ذلك أن ذكرى شهقات الماضي تلك تجعلنا نستشعر قيمة الوصول .. ونستلذ الإنجاز.

      شكرا لمرورك أختي

      حذف
  8. الردود
    1. الفضل الأكبر لك معاوية
      لمرورك هنا وقع إيجابي يحثني على المواصلة ~
      شكرا لك

      حذف
  9. الردود
    1. شكرا جزيلا أخي عآدل
      أسعدني مرورك في مدونتي

      حذف
  10. سعد البرواني9 مايو 2014 في 1:30 ص

    كتابة جميلة دكتورة ونتفائل بالجيل القادم من الدكاترة

    ردحذف
    الردود
    1. شكراً لكــ أخوي سعـد .. نتفاءل فيكــم كذلكـ ..
      أسعدنـي مرورك جداً ، وشكله اليوم أغلب طلاب مالطـا سهرانين ما أدري شو السالفة =)

      ودّي

      حذف
  11. سعد البرواني9 مايو 2014 في 1:58 م

    نصفي النية ونقول إنهم يذاكرون 😜 بإنتظار المزيد من كتاباتك بس أتوقع راح تكون بعد الإمتحانات ^_^

    ردحذف
  12. رائع عزيزتي هدى ... بارك الله فيك ... كتابه في غايه الروعه ..
    اختك laila

    ردحذف
  13. كتاباتك جميله جدا ننتظر منك المزيد من الابداعات وفقك الله

    ردحذف
  14. وووفقك الله ياعزيزتي
    اندمجت فالقراءه

    ردحذف