اليوم هو اليـوم الأخير لي في عمــان ، سأغادر ضنك عند الثانية بعد انتصاف
الليل متوجهة إلى مطار دبي . كان الوضع بائساً كـعادة كل الأيام الأخيرة في عمان
، كان بائساً حد السآمة من كل الأيام التي تسبق السفـر . ( ..............) أمــيرة جاءت لغرفتـي لحظة بدئي في ترتيب
حقيبة السفر صباحاً ، تسألني / هل من الضروري أن تغادري اليوم ؟ ............ صمتي كان ردة
الفعل الأولى ، تألمت جداً للأمـانة ، على وجه الخصوص أن " أميرة " هي من
تسأل هذا السؤال ، إذ أجدها أكثر شخص لم يستطع التكيف مع فكرة بُعدي عنهـم حتى
الآن ...
لم أعرف كيف أجيب . أجبتها بأن عليّ المغادرة الآن لأننـا سنستأنف الدراسة ، وطمأنتهـا أنْ سأبقى لمدة أقصر بكثير من السابقـة والتي قد امتدت لسبعة أشهر ، كمـا أضفت بأننـي عندمـا أعود لإجازة الصيف سأمكث فترة طويلــة في عمان تمتد لثلاثة أشهر.
لم
أرى في عينيهـا أي جبر لانكسار قلبها الصغير بل قالت بيأس : ابقي هُنـا لشهرين ،
ثم لا ضير إن رحلتي بعدهـا . أجبتهـا رداً على ذلك أنْ سوف لن تلبث أن ينقضي
الشهران اللذان تكلمت عنهمـا إلا ويكون قد اقترب موعد عودتـي وسأكون بقربهـا بعد
ذلك وسنستمتع بكل اللحظات سوياً . كنت أجمع كل هذه الكلمات بضعف على أمل تخفيف
القليل ممـا تشعر به لكنهـا – وبهدوء حركتها - غادرت غرفتـي بعينين لامعتين دون أي
كلمـة ، اعتصر فؤادي وجعاً . أعلم أنهـا غادرت لتفادي انهمار دموعهـا
الغزيرة أمــامي ، كما أعلم أنهـا تفرغهـا في مكان ضيق الآن بعيداً عن الأنظار .
ربّــــــــــــي .. ما الذي فعلته أنـا بهذه الطفلة الصغيرة !!
،
،
لاحظت
لاحقاً أنهـا تتفادى الجلوس في المكان الذي أكون فيه ، لا تريد حتى أن تنظر في
عينيّ . لأكون صادقـه أنـا أيضاً شعرت بعدم قدرتـي على ذلك رغم أننـي كنت أودّ
التحدث معهـا ، لا أستطيع المغادرة وهي على هذا الحال . كل ما كنت أسمعـه في كل
ساعـة من عاملة المنزل أن أميرة تبكـي سألْـتُها لأكثر من تارة / لِمَ تبكي أميرة
؟ .. كانت تومي إليّ برأسهـا وحركة شفاهها أنهـا لا تعرف السبب . كنت
مكتوفة الأيدي ، أفكاري متعطلة كليّاً ، أجيب على الأحاديث بأنصاف عبارات ، أنفاسي
تطول لتُهَدِّئ سرعة الخفقات ، ابتسامات باهتة تشبه تلك التي نتصنعها لحظات
المجاملة .
~
توجهت
باحثة عنهـا عند العاشرة مساءً احتضنتها ودموعهـا العفيفة لأتحدث معهـا . سألتها لِمَ البكاء ! أخبرتهـا أن هذه المرة لن تختبر نفس التجربة الماضية ، هذه المرة
سيكون انتظارها أقل ، طلبت منهـا الاهتمام بدروس الروضـة لتنشغل ويمر الوقت سريعاً
. أخبرتهـا أن الصيف سيكون جميلاً ،سنقرأ سوياً كل ما تحب ، سنقضي وقتاً أجمل ممـا
يخيل لها ، سأنصت للحكايات الكثيرة بشغف وسنلعب كمـا لو أننـي أجهل عمري . ما كان
يجيبني منها سوى إيماءات رأسها القليلة . حدّثتهـا لوقت ليس بالقليل حتى سكنت
مشاعرهـا وحتى اطمأننت أنا على سلام روحها الذي لن أسمح لأي شيء أن يسلبه منها .
ناظرتهـا
من بعيد وهي نائمـة لحظة مغادرتـي ، ضميري أوصى الجميع عليهـا .
كوني بخير حبيبة
قلبي ❤
هدى سيف ~
أَلـَـم العاشر من إبريل لعام 2015 _ الجمعة